فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وَلَا تجَادلوا أَهْلَ الْكتَاب إلا بالتي هيَ أَحْسَن إلا الذينَ ظَلَموا منْهمْ}.
و{أهل الكتاب} اليهود والنصارى.
{إلا بالتي هي أحسن} من الملاطفة في الدعاء إلى الله والتنبيه على آياته.
{إلا الذين ظلموا} ممن لم يؤد جزية ونصب الحرب، وصرح بأن لله ولدًا أو شريكًا، أو يده مغلولة؛ فالآية منسوخة في مهادنة من لم يحارب، قاله مجاهد ومؤمنو أهل الكتاب.
{إلا بالتي هي أحسن} أي بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أوائلهم.
{إلا الذين ظلموا} من بقي منهم على كفره، وعد لقريظة والنضير، قاله ابن زيد، والآية على هذا محكمة.
وقيل: إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة: الآية منسوخة بقوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون} الآية.
وقرأ الجمهور: إلا، حرف استثناء؛ وابن عباس: ألا، حرف تنبيه واستفتاح، وتقديره: ألا جادلوهم بالتي هي أحسن.
{وقولوا آمنا} هذا من المجادلة بالأحسن.
{بالذي أنزل إلينا} وهو القرآن، {وأنزل إليكم} وهو التوراة والزبور والإنجيل.
وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم» {وكذلك} أي مثل ذلك الإنزال الذي للكتب السابقة، {أنزلنا إليك الكتاب} أي القرآن.
{فالذين آتيناهم الكتاب} هم: عبد الله بن سلام ومن آمن معه.
{ومن هؤلاء} أي من أهل مكة.
وقيل: {فالذين آتيناهم الكتاب} أي الذين تقدموا عهد الرسول، يؤمنون به: أي بالقرآن، إذ هو مذكور في كتبهم أنه ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ومن هؤلاء} أي ممن في عهده منهم.
{وما يجحد بآياتنا} مع ظهورها وزوال الشبهة عنها، {إلا الكافرون} أي من بني إسرائيل وغيرهم.
قال مجاهد: كان أهل الكتاب يقرأون في كتبهم أن محمدًا عليه السلام، لا يخط ولا يقرأ كتابًا، فنزلت: {وما كنت تتلوا من قبله} أي من قبل نزوله عليك، {من كتاب} أي كتابًا، ومن زائدة لأنها في متعلق النفي، {ولا تخطه} أي لا تقرأ ولا تكتب، {بيمينك} وهي الجارحة التي يكتب بها، وذكرها زيادة تصوير لما نفي عنه من الكتابة، لما ذكر إنزال الكتاب عليه، متضمنًا من البلاغة والفصاحة والإخبار عن الأمم السابقة والأمور المغيبة ما أعجز البشر أن يأتوا بسورة مثله.
أخذ يحقق، كونه نازلًا من عند الله، بأنه ظهر عن رجل أمي، لا يقرأ ولا يكتب، ولا يخالط أهل العلم.
وظهور هذا القرآن المنزل عليه أعظم دليل على صدقه، وأكثر المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتب قط، ولم يقرأ بالنظر في كتاب.
وروي عن الشعبي أنه قال: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كتب وأسند النقاش.
حديث أبي كبشة السلولي: أنه صلى الله عليه وسلم، قرأ صحيفة لعيينة ابن حصن وأخبر بمعناها.
وفي صحيح مسلم ما ظاهره: أنه كتب مباشرة، وقد ذهب إلى ذلك جماعة، منهم أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي، والقاضي أبو الوليد الباجي وغيرهما.
واشتد نكير كثير من علماء بلادنا على أبي الوليد الباجي، حتى كان بعضهم يسبه ويطعن فيه على المنبر.
وتأول أكثر العلماء ما ورد من أنه كتب على أن معناه: أمر بالكتابة، كما تقول: كتب السلطان لفلان بكذا، أي أمر بالكتب.
{إذًا لارتاب المبطلون} أي لو كان يقرأ كتبًا قبل نزول القرآن عليه، أو يكتب، لحصلت الريبة للمبطلين، إذ كانوا يقولون: حصل ذلك الذي يتلوه مما قرأه، قيل: وخطه واستحفظه؛ فكان يكون لهم في ارتيابهم تعلق ببعض شبهة، وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده.
والمبطلون: أهل الكتاب، قاله قتادة؛ أو كفار قريش، قاله مجاهد.
وسموا مبطلين، لأنهم كفروا به، وهو أمي بعيد من الريب.
ولما لم يكن قارئًا ولا كاتبًا، كان ارتيابهم لا وجه له.
{بل هو} أي القرآن: {آيات بينات} واضحات الإعجاز، {في صدور الذين أوتوا العلم} أي مستقرة، مؤمن من بها، محفوظة في صدورهم، يتلوها أكثر الأمة ظاهرًا، بخلاف غيره من الكتب، فليس بمعجز، ولا يقرأ إلا من الصحف.
وجاء في صفة هذه الأمة صدورهم: أنا جيلهم، وكونه القرآن، يؤيده قراءة عبد الله، بل هي آيات.
وقيل: بل هو، أي النبي وأموره، آيات بينات، قاله قتادة.
وقرأ: بل هو آية بينة على التوحيد؛ وقيل: بل هو، أي كونه لا يقرأ ولا يكتب.
ويقال: جحدته وجحدت به، وكفرته وكفرت به، قيل: والجحود الأول معلق بالواحدنية، والثاني معلق بالنبوة، وختمت تلك بالكافر.
ولأنه قسيم المؤمنين في قوله: {يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن} وهذه بالظالمين، لأنه جحد بعد إقامة الدليل على كون الرسول صدر منه القرآن منزل عليه، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، فهم الظالمون بعد ظهور المعجزة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ولاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب} من اليهود والنصارَى {إلا بالتى هي أَحْسَن} أي بالخصلة التي هي أحسن كمقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح والسورة بالأَناة على وجهٍ لا يدل على الضعف ولا يؤدي إلى إعطاء الدنية وقيل: منسوخ بآية السيف {إلا الذين ظَلَموا منْهمْ} بالإفراط في الاعتداء والعناد أو بإثبات الولد وقولهم: يد الله مغلولة ونحو ذلك فإنه يجب حينئذٍ المدَافعة بما يليق بحالهم {وَقولوا ءامَنا بالذى أنزلَ إلَيْنَا} من القرآن {وَأنزلَ إلَيْكمْ} أي وبالذي أنزل إليكم من التوراة والإنجيل وقد مر تحقيق كيفية الإيمان بهما في خاتمة سورة البقرة. وعن النبي عليه الصلاة والسلام: «لا تصدقوا أهلَ الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وبكتبه ورسله فإنْ قالوا باطلًا لم تصدقوهم وإنْ قالوا حقا لم تكذبوهم» {وإلهنا وإلهكم وَاحد} لا شريكَ له في الألوهية {وَنَحْن لَه مسْلمونَ} مطيعونَ خاصة وفيه تعريض بحال الفريقين حيث اتخذوا أحبارَهم ورهبانَهم أربابًا من دون الله {وكذلك} تجريد للخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلكَ إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعدَه، وما فيه من مَعْنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه في الفضل أي مثلَ ذلكَ الإنزال البديع الموافق لإنزال سائر الكتب {أَنزَلْنَا إلَيْكَ الكتاب} أي القرآنَ الذي من جملته هذه الآية الناطقة بما ذكر من المجادلة بالحسْنَى {فالذين ءاتيناهم الكتاب} من الطائفتين {يؤْمنونَ به} أريد بهم عبد الله بن سَلاَم وأضرابه من أهل الكتابين خاصة كأن من عداهم لم يؤتَوا الكتابَ حيث لم يعملوا بما فيه أو مَنْ تقدم عهدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم حيث كانوا مصدقين بنزوله حسبما شاهدوا في كتابيهما، وتخصيصهم بإيتاء الكتاب للإيذان بأن مَن بعدهم من معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزع عنهم الكتاب بالنسخ فلم يؤتَوه. والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إيمانَهم به مترتب على إنزاله على الوجه المذكور {وَمنْ هَؤلاء} أي ومن العرب أو أهل مكةَ على الأول أو ممن في عصره عليه الصلاة والسلام على الثاني {مَن يؤْمن به} أي بالقرآن {وَمَا يَجْحَد بآياتنا} عبر عن الكتاب بالآيات للتنبيه على ظهور دلالتها على معانيها وعلى كونها من عند الله تعالى، وأضيفتْ إلى نون العظمة لمزيد تفخيمها وغاية تشنيع مَنْ يجحد بها {إلا الكافرون} المتوغلون في الكفر المصممون عليه فإن ذلكَ يصدهم عن التأمل فيما يؤديهم إلى معرفة حقيتها وقيل: هم كعب بن الأشرف وأصحابه.
{وَمَا كنتَ تَتْلو من قَبْله} أي ما كنتَ قبل إنزالنا إليك الكتابَ تقدر على أنْ تتلوَ شيئًا من كتابٍ {وَلاَ تَخطه} أي ولا تقدر على أنْ تخطه {بيَمينكَ} حسبَما هو المعتاد أو ما كانت عادَتك أنْ تتلوَه ولا أنْ تخطه {إذًا لارتاب المبطلون} أي لو كنتَ ممن يقدر على التلاوة والخط أو ممن يعتادهما لارتابوا وقالوا: لعله التقطَه من كتب الأوائل، وحيث لم تكن كذلكَ لم يبقَ في شأنك منشأ ريبٍ أصلًا، وتسميتهم مبطلينَ في ارتيابهم على التقدير المفروض لكونهم مبطلينَ في اتباعهم للاحتمال المذكور مع ظهور نزاهته عليه الصلاة والسلام عن ذلكَ {بَلْ هوَ} أي القرآن {آيَات بَينَات} واضحات ثابتة راسخة {فى صدور الذين أوتوا العلم} من غير أنْ يلتقطَ من كتابٍ يحفظونَه بحيث لا يقدر أحد على تحريفه {وَمَا يَجْحَد بآياتنا} مع كونها كما ذكر {إلا الظالمون} المتجاوزونَ للحدود في الشر والمكابرة والفساد. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب} من اليهود والنصارى، وقيل: من نصارى نجارن {إلا بالتى هي أَحْسَن} أي بالخصلة التي هي أحسن كمقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم، والمشاغبة بالنصح، والسورة بالإناة كما قال سبحانه: {ادفع بالتى هي أَحْسَن} [المؤمنون: 6 9] {إلا الذين ظَلَموا منْهمْ} بالافراد في الاعتداء والعناد، ولم يقبلوا النصح، ولم ينفع فيهم الرفق فاستعملوا معهم الغلظة.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن الذين ظلموا هم الذين أثبتوا الولد والشريك أو قالوا يد الله تعالى مغلولة، أو الله سبحانه فقير، أو آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الغلظة التي نفهم الآية الاذن بها لا تصل إلى القتال لأولئك الظالمين من أهل الكتاب على أي وجه من الوجوه المذكورة كان ظلمهم لأن ظاهر كون السورة مكية أن هذه الآية مكية، والقتال في المشهور لم يشرع بمكة وليست الغلظة محصورة فيه كما لا يخفى، وقيل: المعنى ولا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فإن أولئك مجادلتهم بالسيف.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ما يقرب منه، وتعقب بأن السورة مكية والحرب والجزية مما شرع بالمدينة، وكون الآية بيانًا لحكم آت بعد بعيد وأيضًا لا قرينة على التخصيص.
وقيل: يجوز أن يكون القائل بذلك ذاهبًا إلى أن الآية مدنية ومكبة السورة باعتبار أغلب آياتها؛ أو ممن يقول: بأن الحرب شرع بمكة في آخر الأمر، والسورة آخر ما نزل بها إلا أنه لم يقع وعدم الوقوع لا يدل على عدم المشروعية.
وعن ابن زيد أن المراد بأهل الكتاب مؤمنو أهل الكتاب وبالتي هي أحسن موافقتهم فيما حدثوا به من أخبار أوائلهم وبالذين ظلموا من بقي منهم على كفره وهو كما ترى، واختلف في نسخ الآية.
فأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن قتادة أنه قال: نهى في هذه الآية عن مجادلة أهل الكتاب، ثم نسخ ذلك فقال سبحانه: {قاتلوا الذين لاَ يؤْمنونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} [التوبة: 9 2] الآية ولا مجادلة أشد من السيف، وقال في مجمع البيان: الصحيح أنها غير منسوخة لأن المراد بالجدال المناظرة وذلك على الوجه الأحسن هو الواجب الذي لا يجوز غيره.
وقال بعض الأجلة: إن المجادلة بالحسنى في أوائل الدعوة لأنها تتقدم القتال فلا يلزم النسخ ولا عدم القتال بالكلية، وأما كون النهي يدل على عموم الأزمان فيلزم النسخ فلا يتم ما ذكر فيدفعه أن من يقاتل كمانع الجزية داخل في المستثنى فلا نسخ وإنما هو تخصيص بمتصل، وكون ذلك يقتضي مشروعية القتال بمكة ليس بصحيح لأنه مسكوت عنه فتأمل.
وقرأ ابن عباس {إلا بالتى} الخ، على أن {إلا} حرف تنبيه واستفتاح، والتقدير ألا جادلوهم بالتي هي أحسن {وَقولوا ءامَنا بالذى أنزلَ إلَيْنَا} من القرءان {وَ} الذي {الذى أَنَزَلَ إلَيْكم} أي وبالذي أنزل إليكم من التوراة والإنجيل، وهذا القول نوع من المجادلة بالتي هي أحسن، وعن سفيان بن حسين أنه قال: هذه مجادلتهم بالتي هي أحسن.
وأخرج البخاري والنسائي وغيرهما عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون الكتاب بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم» الآية، والتصديق والتكذيب ليسا نقيضين فيجوز ارتفاعهما.